6/06/2008

ثقافة الاستشهاد


الاثنين، في 14 نيسان 2008
"في السبعينيات من القرن الماضي، درجت كلمة "فحل"... لماذا درجت هذه الكلمة بالذات؟ هي موضة، تأتي وحدها وتموت وحدها. كذلك العمليات الاستشهادية... موضة". هكذا اختصر رئيس قسم الفلسفة في الجامعة الاميركية في بيروت الدكتور بشار حيدر ظاهرة العمليات الاستشهادية في ندوة «لماذا ننتحر: قراءة في العمليات الاستشهادية» التي اقيمت امس ضمن فعاليات مهرجان "أشغال داخلية 4" الذي نظمته جمعية "أشكال ألوان".
لم يقتنع الجمهور، ولم يُشف غليله. لا بد من وجود ثقافة ما وراء هذه الظاهرة. توقعوا نوعا من التحليل السوسيولوجي او الفلسفي للفكر الذي يقف وراء ذلك كله. صرخ أحدهم دون طلب الاذن بالكلام: "هذه تفاهات! نريد اجابات شافية، مستندة الى نظريات وادلة! اذا كنت تريد ان تحاضر في الموضوع فعليك على الاقل ان تحضر له!"...
البعض الآخر سلم بانها موضة... لكن من يقف وراء هذه الموضة؟ من المروج لها؟ ومن المستفيد منها؟ اما الجواب، فكان: ومن يستفيد من ترويج كلمة "فحل"؟
كلام الدكتور لم يعجب اي من الحاضرين. الكل خرج غاضبا، او مستفزا، وانا في مقدمتهم. شعرنا باهانة ما في مقاربة موضوع كبير امامنا بهذه الطريقة السطحية. لو تحدث عن البعد الديني (وهو جزء من السوسيولوجيا)، البعد الميتولوجي، لو تحدث عن البعد القومي، البعد الفكري، لربما اقنعنا. لو تطرق الى المروّج والمحرض والمستفيد، لربما اكتفينا...

الثلثاء، في 15 نيسان 2008
جريدة السفير:
"قراءة في العمليات الاستشهادية" في مهرجان "أشغال يدوية 4"
ليست موضة.. والنقاش من طرف واحد ليس ديموقراطياً (اسكندر حبش)
... لنسلم جدلا (على سبيل المثال) بوجهة نظر بشار حيدر من أن العمليات الاستشهادية تبدو اليوم بمثابة موضة شبيهة بموضة الأزياء. ربما هي فكرة مثيرة بدورها، ولكن لا أعرف لم أحسست بأن الفكرة لم تصل، بما تقتضيه من ثقافة وراءها، إذ بدا طرحه وكأنه نكتة لم تصل إلى مستوى التحليل السوسيولوجي لظاهرة الأزياء مثلا. بالتأكيد يمكننا أن نقف في مواجهة هذه العمليات، لكن في النهاية ثمة فكر حقيقي وراء ذلك كله لا يمكن الاستخفاف به، لدرجة جعله أشبه بموضة الأحذية. لذلك ثمة سؤال بديهي أين الديموقراطية في الاعتراف بالآخر؟

الاحد، في 20 نيسان 2008
جريدة المستقبل
عن "أشكال ألوان" و"الكرنتينا" و"كبابجي"
نزهة انسيابية بين المسرح والمطعم (فادي طفيلي)

... حديث المنتظرين الآخرين وصله واضحاً. كان هؤلاء يتحدّثون عن "ندوة العمليات الانتحاريّة" التي خرج منها "الفيلسوف" غاضباً محتقناً مهتاجاً وشاتماً، تاركاً خلفه تلميذه النيويوركي الممانع يحاول تنفيذ عمليّة انتحاريّة. أحسّ "الفيلسوف" بالدماء في رأسه وانفجر صارخاً ملوّحاً بكتابيه: "يا جهلة، يا تافهين. يا أكلة الأرفلي والعنتبلي ويا أعداء الفلسفة. في الندوة لم يستشهدوا بالمفكّرين الكبار أمثالي وأمثال دريدا، وأنتم هنا تأكلون العنتبلي وتشربون اللبن. لم تقرأوا كتبي يا جهلة يا أمّيين. كتبي. كتبي. كتبي. كتبي. أنا مفكّر، أنا فيلسوف. واع، واع، عو، عو.... وأنتم تشربون اللبن". ثمّ دوى انفجار من داخل المسرح. الانفجار نتج عن عمليّة انتحاريّة نفّذها تلميذ "الفيلسوف"، التلميذ النيويوركي الممانع. الانفجار أصاب منفّذه وأمات الحاضرين من الضحك.

الخميس، في 1 أيار 2008
لا تزال تلك الندوة موضوعا للنقاش، فالبارحة كان شخصان جالسان على طاولة مجاورة لطاولتنا في احد مقاهي الحمرا يتجادلان حولها. ومنذ دقائق كنت أخبر صديقي عنها... وقد لفت نظري الى عدد من الامور، اهمها ان الندوة كانت ناجحة، والدليل انها خلقت شعورا، ولو سلبيا، لدى المستمع، تاركة اثرا كبيرا لدرجة انها ما زالت مثارا للجدل بعد مضي اكثر من اسبوعين عليها.
كما اشار الى ان الرجل كان مدركا بالطبع لردة الفعل التي ستثيرها مداخلته... لكنه مضى بها. فالعمليات الاستشهادية بنظر الناس تحمل ابعادا متعددة، دينيا ووطنيا خصوصا، وهم لذلك يسعون الى تفسير فلسفي على اساس انها ظاهرة تستأهل التوقف عندها وتحليلها تحليلا عميقا.
الا ان الرجل الذي لا يشاطرهم الرأي بتاتا، ولا يرى فيها ربما سوى استغلالا للشعارات الدينية او القومية او الوطنية لخدمة اهداف سياسية، اراد ان يقول ان الموضوع ليس عميقا كما يتصوره الجميع، حتى انه موضوع سخيف... فجاءت مقاربته للموضوع سخيفة سطحية بنظر الناس، لكن عميقة فعليا اذ انه اوصل وجهة نظره بالطريقة الاكثر تأثير في المتلقين، بغض النظر عن ردة فعل اولئك التي كانت متوقعة ومنتظرة من قبل المحاضر.





الإعلام اللّبنانيّ... منكوبٌ


أيار 2008، نقطة سوداء في تاريخ حرية التعبير... ايام سوداء في تاريخ الصحافة اللبنانية والاعلام اللبناني، في تاريخ الثقافة اللبنانية، بل في تاريخ لبنان، كل لبنان...
في الثالث من أيار، احتفل لبنان بـ"اليوم العالمي لحرية الصحافة". وفي السادس منه، كانت الصحافة تحتفي بشهدائها، اصحاب الاقلام الحرة الذين رفضوا الانصياع لارهاب السلطات والانظمة القمعية الشمولية التي طالما شكلت الحريات عامة وحرية التعبير خاصة عدوها الاكبر.
وها هو الاعلام اللبناني الذي بني على أساس التنوع والحرية والديمقراطية يتعرض لابشع واعنف حملة في الايام التالية، وها هي الحرية تتلقى ضربة في الصميم.

اضراب عمالي يتحول حروبا حزبية متنقلة في ازقة وشوارع بيروت ولبنان. كعادتهم، نزل الصحافيون الى قلب الحدث. حملوا كاميراتهم والدفاتر والاقلام سلاحا للقيام بواجبهم: البحث عن الحقيقة لايصالها الى الناس. غير ان الصحافة في لبنان مقدر لها ان تتحول دوما الى "قضيّة".
نعم، الصحافة اللبنانية وحرية التعبير تلقت أكبر ضربة في تاريخها، وكانت الخاسر الاكبر من الاشتباكات الاخيرة.
المضايقات التي تعرض لها الصحافيون من كل المحطات لا تعدّ ولا تحصى، وان تفاوتت نسبتها ونتائجها. البداية كانت مع جريدة "صدى البلد"، مع اصابة الزميلين المصورين أسعد أحمد ووديع شلنك اللذين نقلا الى المستشفى للمعالجة، بالاضافة الى المضايقات التي تعرض لها كل من علي حلاوي وديانا سكيني اللذين كانا في تغطية ميدانية للاحداث.
الا ان المتقاتلين لم يوفروا اي وسيلة اعلامية، مهما كان انتماؤها، فكرّت المسبحة حتى اصبح بالامكان القول ان الصحافيين باتوا هدفا سهلا للاعتداء والمضايقة في كل المناطق. وقد اختلفت الاساليب المعتمدة من مصادرة الكاميرا واعادتها، للمحظوظين فقط - بدون الكاسيت طبعا – الى الـ"تدفيش وشدّ الشعر" ومصادرة الاوراق (باتريسيا خضر من لوريان لوجور)، او الاعتداء بالضرب (مصور جريدة النهار ابراهيم الطويل ومصور تلفزيون المنار)، او حتى الاحتجاز لمدة من الوقت كما حدث مع سكيني وفريق عمل "العربية".
كيف يمكنا ان نفسر هذه الاعتداءات؟ وهل ان تأدية اولئك الصحافيين لواجباتهم يستلزم هذا التعرض الجسدي لهم والمعنوي للصحافة كلها؟ وهل انّ كشف الحقيقة للشعب اللبناني اصبح ممنوعا؟ أم انه الخوف من دور الصحافة في تظهير صورتهم الخارجية، المرآة التي تعكس بشاعتهم وتخلفهم وهمجيتهم؟
بالفعل، بدت الصورة وكأنهم حولوا معركتهم الى مواجهة الاقلام والافكار بالبندقية والصواريخ، فصبوا كامل غضبهم وحقدهم ورفضهم للآخر على الصحافيين ووسائل الاعلام.
لكنّ الاخطر كان صباح اليوم الثالث من الاشتباكات. يوم التاسع من ايار يوم يصعب على المثقفين وأهل الاعلام نسيانه. فهم استفاقوا على خبر توقف بث محطتي "تلفزيون المستقبل" و"اخبارية المستقبل" محليا وفضائيا، بعد تعرضها للتهديد، بالاضافة الى "اذاعة الشرق". وكذلك لم يجدوا جريدة "اللواء" في كشك الصحف التي حالت المداهمات دون صدورها، للمرة الاولى في تاريخها!
لكن الغصة الاعلامية ما لبثت ان تحولت حرقة وهلعا على مصير حرية التعبير كلها في "بلد الحريات"، مع متابعة مشاهد الدخان المتصاعد من الطابق الرابع من مبنى "جريدة المستقبل" بعد اطلاق القذائف الحارقة عليه، وبعد تخريب واحراق المبنى القديم لـ"تلفزيون المستقبل" في الروشة، ورميه بقنابل "المولوتوف"، واقتحام مبنى مجلة "الشراع" وتحطيم محتوياته. حتى حرمة المنازل اغتصبت، فدخل مسلحون منزل الصحافي محمد سلام، وخربوا محتوياته...
وان حملة الاستنكارات الواسعة التي انطلقت من قبل كل الاطراف والدعوات لتحييد وسائل الاعلام عن المعارك الميدانية لم تكف، فالمطلوب كمّ الافواه وخنق الاصوات وقمع الافكار، وها هي السنة النار، نار الحقد والجبن والخوف من الكلمة تلتهم في اليوم التالي "اذاعة سيفان" الارمنية التابعة لتيار المستقبل ايضا.

فهل اصبح على الصحافة اليوم ان تخاف من الاحزاب بعد ان كانت دوما معركتها مع رقابة السلطات وقراراتها التعسفية؟ وهل أصبحنا في عصر تستباح فيه المؤسسات الاعلامية وتهدد وتجبر على التوقف عن البث او الصدور وتحرق مبانيها من قبل أبناء البلد لمجرد انها تقدم رأيا مخالفا او تحمل وجهة نظر مغايرة؟ وهل أصبح على وسائل الاعلام ان تطلب من الدولة ان تحميها من "أبناء البلد"؟ وألا يجدر بنا أن نعلن أنّ الاعلام اللبناني خط احمر لا يجدر المسّ به؟ أم علينا أن ننعي حرية الرأي والتعبير؟



صرخة مدوية أدمعت معظم السامعين أطلقتها الصحافية في "اخبارية المستقبل" سحر الخطيب عبر برنامج كلام الناس ليلة تعرّض اعلام المستقبل للترهيب والتوقف القسري عن البثّ، اعتبرت فيها انّ "الموضوعية هي ألا تسكت عن الظلم حين تراه"، وقالت: "في كل جسم الانسان شيئان فقط لا يلمسان الروح والصوت، فمن انتم لخنق صوتنا، من أنتم لتتحدوا ارادة الله؟"