6/06/2008

الإعلام اللّبنانيّ... منكوبٌ


أيار 2008، نقطة سوداء في تاريخ حرية التعبير... ايام سوداء في تاريخ الصحافة اللبنانية والاعلام اللبناني، في تاريخ الثقافة اللبنانية، بل في تاريخ لبنان، كل لبنان...
في الثالث من أيار، احتفل لبنان بـ"اليوم العالمي لحرية الصحافة". وفي السادس منه، كانت الصحافة تحتفي بشهدائها، اصحاب الاقلام الحرة الذين رفضوا الانصياع لارهاب السلطات والانظمة القمعية الشمولية التي طالما شكلت الحريات عامة وحرية التعبير خاصة عدوها الاكبر.
وها هو الاعلام اللبناني الذي بني على أساس التنوع والحرية والديمقراطية يتعرض لابشع واعنف حملة في الايام التالية، وها هي الحرية تتلقى ضربة في الصميم.

اضراب عمالي يتحول حروبا حزبية متنقلة في ازقة وشوارع بيروت ولبنان. كعادتهم، نزل الصحافيون الى قلب الحدث. حملوا كاميراتهم والدفاتر والاقلام سلاحا للقيام بواجبهم: البحث عن الحقيقة لايصالها الى الناس. غير ان الصحافة في لبنان مقدر لها ان تتحول دوما الى "قضيّة".
نعم، الصحافة اللبنانية وحرية التعبير تلقت أكبر ضربة في تاريخها، وكانت الخاسر الاكبر من الاشتباكات الاخيرة.
المضايقات التي تعرض لها الصحافيون من كل المحطات لا تعدّ ولا تحصى، وان تفاوتت نسبتها ونتائجها. البداية كانت مع جريدة "صدى البلد"، مع اصابة الزميلين المصورين أسعد أحمد ووديع شلنك اللذين نقلا الى المستشفى للمعالجة، بالاضافة الى المضايقات التي تعرض لها كل من علي حلاوي وديانا سكيني اللذين كانا في تغطية ميدانية للاحداث.
الا ان المتقاتلين لم يوفروا اي وسيلة اعلامية، مهما كان انتماؤها، فكرّت المسبحة حتى اصبح بالامكان القول ان الصحافيين باتوا هدفا سهلا للاعتداء والمضايقة في كل المناطق. وقد اختلفت الاساليب المعتمدة من مصادرة الكاميرا واعادتها، للمحظوظين فقط - بدون الكاسيت طبعا – الى الـ"تدفيش وشدّ الشعر" ومصادرة الاوراق (باتريسيا خضر من لوريان لوجور)، او الاعتداء بالضرب (مصور جريدة النهار ابراهيم الطويل ومصور تلفزيون المنار)، او حتى الاحتجاز لمدة من الوقت كما حدث مع سكيني وفريق عمل "العربية".
كيف يمكنا ان نفسر هذه الاعتداءات؟ وهل ان تأدية اولئك الصحافيين لواجباتهم يستلزم هذا التعرض الجسدي لهم والمعنوي للصحافة كلها؟ وهل انّ كشف الحقيقة للشعب اللبناني اصبح ممنوعا؟ أم انه الخوف من دور الصحافة في تظهير صورتهم الخارجية، المرآة التي تعكس بشاعتهم وتخلفهم وهمجيتهم؟
بالفعل، بدت الصورة وكأنهم حولوا معركتهم الى مواجهة الاقلام والافكار بالبندقية والصواريخ، فصبوا كامل غضبهم وحقدهم ورفضهم للآخر على الصحافيين ووسائل الاعلام.
لكنّ الاخطر كان صباح اليوم الثالث من الاشتباكات. يوم التاسع من ايار يوم يصعب على المثقفين وأهل الاعلام نسيانه. فهم استفاقوا على خبر توقف بث محطتي "تلفزيون المستقبل" و"اخبارية المستقبل" محليا وفضائيا، بعد تعرضها للتهديد، بالاضافة الى "اذاعة الشرق". وكذلك لم يجدوا جريدة "اللواء" في كشك الصحف التي حالت المداهمات دون صدورها، للمرة الاولى في تاريخها!
لكن الغصة الاعلامية ما لبثت ان تحولت حرقة وهلعا على مصير حرية التعبير كلها في "بلد الحريات"، مع متابعة مشاهد الدخان المتصاعد من الطابق الرابع من مبنى "جريدة المستقبل" بعد اطلاق القذائف الحارقة عليه، وبعد تخريب واحراق المبنى القديم لـ"تلفزيون المستقبل" في الروشة، ورميه بقنابل "المولوتوف"، واقتحام مبنى مجلة "الشراع" وتحطيم محتوياته. حتى حرمة المنازل اغتصبت، فدخل مسلحون منزل الصحافي محمد سلام، وخربوا محتوياته...
وان حملة الاستنكارات الواسعة التي انطلقت من قبل كل الاطراف والدعوات لتحييد وسائل الاعلام عن المعارك الميدانية لم تكف، فالمطلوب كمّ الافواه وخنق الاصوات وقمع الافكار، وها هي السنة النار، نار الحقد والجبن والخوف من الكلمة تلتهم في اليوم التالي "اذاعة سيفان" الارمنية التابعة لتيار المستقبل ايضا.

فهل اصبح على الصحافة اليوم ان تخاف من الاحزاب بعد ان كانت دوما معركتها مع رقابة السلطات وقراراتها التعسفية؟ وهل أصبحنا في عصر تستباح فيه المؤسسات الاعلامية وتهدد وتجبر على التوقف عن البث او الصدور وتحرق مبانيها من قبل أبناء البلد لمجرد انها تقدم رأيا مخالفا او تحمل وجهة نظر مغايرة؟ وهل أصبح على وسائل الاعلام ان تطلب من الدولة ان تحميها من "أبناء البلد"؟ وألا يجدر بنا أن نعلن أنّ الاعلام اللبناني خط احمر لا يجدر المسّ به؟ أم علينا أن ننعي حرية الرأي والتعبير؟



صرخة مدوية أدمعت معظم السامعين أطلقتها الصحافية في "اخبارية المستقبل" سحر الخطيب عبر برنامج كلام الناس ليلة تعرّض اعلام المستقبل للترهيب والتوقف القسري عن البثّ، اعتبرت فيها انّ "الموضوعية هي ألا تسكت عن الظلم حين تراه"، وقالت: "في كل جسم الانسان شيئان فقط لا يلمسان الروح والصوت، فمن انتم لخنق صوتنا، من أنتم لتتحدوا ارادة الله؟"







ليست هناك تعليقات: