6/08/2008

Final reflection... Let's BLOG

It was really fun creating this blog, even though it's not my first, I've started blogging this year when the last clashes in Beirut started, but that blog only consisted of some thoughts and articles written in extremely emotionally periods, and that's why I chose to start another one for a "homework". However, I did something nice by promoting it through my facebook account (by typing the URL instead of some status), and I had more than a hundred visitors in the few first days. This is an idea of how to promote our blogs by combining technology means, and I wanted to share it with all my friends.
I'd like to talk about my blogging experience, although it's a small one. I really believe blogging becomes addictive, especially when you realize a large number of people are checking it constantly, are providing feedback by comments or even by calling you or sending you an e-mail, and when they start asking you if there is any update in posts.

Concerning this blog, it was a great joy for me creating something that reflects how I think… I am still young to publish some of my articles in a column under my name in a newspaper. My current work is limited by some reviews or reports about books, theater, painters, dancers, photographers… And I like doing it, but there are also some other stuff I liked to share with people, discuss them and know how others think about. My blog made me capable of publishing everything I wanted…
What I liked most is the permanence of the blog. When my articles are published in the newspaper, it's just for one day… People aren't capable of getting back to it when they need, or read it another day if they're busy. On the blog, it's different… They can read it whenever they want (an article about a painter or a photographer isn't limited by time, it is always interesting to read about an exhibition, for interested people, of course, even if it is not still running on).
With the blog, you can combine all kinds of medias, and most importantly, you are not afraid of lack of space or time… you can use as much photos you like (which is the most thing I hate about the newspaper, because I think we are not giving an artist his rights when we publish a whole critical article about his works with one or two photos), upload entire videos, link to the artist's site to provide the reader capacity of discovering some of the previous artist's works and exhibitions.
We can now publish as much as we want, and whatever we want, we don't have to stick to some newspaper's policy, and we don't have to think about censorship. Technology allowed us the biggest opportunity to share our thoughts, beliefs, reflections… let's profit of it… let's BLOG.
A special note to Dr. Sanaa Hammoud: Thank you for this course, it was really nice.

حسين ماضي "مدلّل الامرأة"




الامرأة تحتل عالم الفنان حسين ماضي. هي محور حياته واهتمامه، كما هي محور فنه. من بساطتها، من جمالها، من جسدها يستوحي لوحاته ورسومه ومنحوتاته. هي الصديقة والجليسة والحبيبة التي يقول عنها: "لقد تطور كل من فني وحياتي مع امرأتي، منذ البداية، في خطين متوازيين، دون ان يصطدما ولا مرة. في المنزل، امرأتي كانت ملكتي. أمّا الفن، فكان اهتمامي".
نظرة مختلفة للامرأة، يجسدها في أعماله، لوحات ومنحوتات، المعروضة ماضي في غاليري عايدة شرفان في وسط المدينة تحت عنوان "omaggio alla Donna" (تحية للامرأة). فهو قلب كل المعايير الجمالية المعاصرة: نساء ببطون ممتلئة وأرداف مكتنزة ونهود مندلقة، أجسام بعيدة عن الصورة النمطية للامرأة الجميلة اليوم، لكنها لا تقل عنها أنوثة وإغراء وسحرا وجنونا وشهوانية. الامرأة مدللة، مرتاحة، مغناج... ولعوب أحيانا، هكذا يراها ماضي، وهكذا يصورها.
تقاطع من الاشكال الهندسية من مثلثات ومربعات وأقواس تتداخل وتتكامل لتكوّن امراة تشكل المحور في كل عمل، محاطة بتفاصيل وعناصر عديدة يستمتع الفنان برسمها ونقشها وزخرفتها، فتبدو الورود وأزهار دوار الشمس والنبتات وحبات الرمان والتفاح والعنب... حتى المشهد من خارج الشباك من البحر الى الاشجار واضح، وكذلك "نقشة" الارضية، ليبدو لنا وكأن العناصر التفصيلية في فضاء اللوحة تطلبت وقتا أكثر من ذاك الذي أمضاه الفنان في رسم الامرأة.
ذاتيته حاضرة بفجور في أشكاله وألوانه، وكأنه يطبع كل بقعة بطابعه الخاص، بشخصه، بأسلوبه، بشغفه. رسوم على الورق، يختار الفنان فيها ان يعري نساءه، حتى من الالوان، مبرزا مفاتن استدارات أجسادهن، فيما يمكن ان نسميه بالعري الشفاف، ولوحات بالاكريليك على القماش اختار ان يحدها باطار من الاكريليك أيضا، ولكنه لجأ فيها الى الالوان القوية مقابل شفافية اللوحات الاولى، ولم يوفر اي لون، حتى انه يتعذر علينا تعدادها كلها.
فستان أحمر او أزرق مزركش، قميص ضيق مشقوق عند الصدر، "كولون" أزرق، وكعب عال: خطوط انفعالية تظهر نساء متبرجات، حتى وهنّ نيام، مقلمات الاظافر، مصففات الشعر، جالسات او ممدّدات على الكنبات، يقرأن الجريدة، يقفن على الشباك ليدخنّ سيجارة، يمتطين الخيل او يجلسن على الرمل بمايوهات ضيقة لاكتساب بعض السمرة ... باسلوب مباشر يدخل في تفاصيل حياتهن اليومية، ناقلا مشاهد حميمة بمناخات لونية حارة.
ديكتاتورية الالوان
علاقة الفنان بالالوان علاقة قوية، وهو يستفيض بالحديث عنها، في كتاب له لم ينته من كتابته بعد: "أحيانا، أمضي أياما دون ان أكلم أحدا: هذا ما ادعوه بـ"ديكتاتورية الالوان". يحتاج الفن الى صمت وتركيز ليتطور. من وقت لآخر، أكسر هذا الصمت عبر التكلم مع ألواني: التحكّم بتدرجات الاخضر او الازرق ليس أمرا سهلا. غالبا، بعد أن اضع لونا على القماش، لا أجد حواسي راضية؛ يكون اللون الذي صورته في رأسي قد خانني. لديّ طبعا مخرج لاحلّ هذا الموضوع. أخلط الالوان واعيد الطلاء مرةً ومرةً وأخرى حتى أنجح، فأصرخ "أهلا وسهلا". [...] الفنان هو الحكم الاساسي. إما يستسلم لبعض الخلطات السهلة، وإما يقحم نفسه في شراسة المعارك والمواجهات. هو بالفعل عمل تشوبه المخاطر، لكنه ايضا قمة في الاثارة واللذة".


أعمال جاكلين أوهانيان في غاليري ماتوسيان


ريشة تتذوّق الجمال وتخطّ الأحلام...
رحلة ممتعة تصحبنا فيها الفنانة جاكلين أوهانيان من خلال أعمالها المعروضة في صالة ماتوسيان في جامعة هايكازيان تحت عنوان "الحياة والاحلام"، رحلة يتلاشى فيها الاحساس بالزمن، وترتقي بالحواس الى مستوى أسمى وأرقى.
48 لوحة مع اطار، من كل الاحجام، وبتقنيات مختلفة، تحملنا الى عالم الفنانة، عالم يتخطى حدود الواقع ليلج في الاحلام... عالم يمجد الاشياء الصغيرة التي نملك، والاخرى الجميلة التي نراها، ويرفض النظرة المتشائمة للحياة... عالم يستوحي من تناغم الطبيعة وجمالها لوحات، آسرة بألوانها وخطوطها ونقشها ورقشها، تُمازج بين الواقع والخيال، فتظهّر مشاهد نابعة من داخل فنانة تسعى دوما الى تقديم أجمل ما في الانسان، فنانة ترسم ما تشعر به، فتأتي لوحاتها تعبير عن افراط في الحس الانساني والتذوق الجمالي.
ثلاث الى اربع ساعات يوميا تمضيها الفنانة في تحويل أحلامها الى لوحات تزخر بالشغف والفرح بالحياة، مستشهدة بقول لفان غوغ: "أحلم بلوحاتي، ثم أرسم أحلامي". بالنسبة لاوهانيان، الحلم يكسب الانسان الطاقة والمحفز لحياة أغنى وأكثر ابداعا؛ فمقابل تحديات ومصاعب الحياة، الحروب والكوارث الطبيعية، وعدد كبير من المظاهر السلبية التي تكبل هذا الانسان وتحده من كل النواحي، يبرز الحلم، مختلف عن الواقع، يجسد أفكارا وصورا ومشاعر زاخرة بفرح وألوان مشعة وأمل، تنقلنه بعيدا عن الواقع الى عوالم أسمى وأجمل. "أتمتع في خلق صور من الحياة والاحلام، من الاشياء والناس الذين أحبهم والذين يشكلون لغزا بالنسبة لي".
أسلوب خاص
علاقة قوية تجمع الفنانة بالطبيعة، علاقة اعجاب وشغف، وكأنها تعشق هذه الأزهار والفواكه، وتبحث فيها عن مخرج من تلك الطاقة السلبية المحيطة بها. بخفة الاكواريل وشفافية ألوانها تجسد اوهانيان هذه العلاقة. تعمل مطولا على كل لوحة. تنتقي ألوانها بكل عناية. تختار أحيانا تقنية الـbatik الصعبة. تفضل الاكريليك والزيت للوحات أخرى. "اتبع اساليب مختلفة، حسبما ينقلني مزاجي. معظم لوحاتي يمكن وصفها بالـ"الواقعية المعاصرة"، لكن موسومة باسلوبي الخاص".
لكن، رغم كل هذه الايجابية الظاهرة، والرغبة بتخطي التشاؤم الذي تفرضه الظروف الخارجية، تبقى اللوحات مطبوعة ببعض آثار الحزن وتقلبات المزاج: "لم يكن سهلا بالنسبة لي أن أعمل بسبب الاحداث الاخيرة في لبنان، فالجمال، الهدوء والعدل هم مصادر الهامي الاساسية".
تحرر من القيود
تتأرجح بين الاكريليك والزيت: تبدأ بخط من هنا وآخر من هناك، لون فاثنين وثلاثة... تسمح للخطوط والالوان بان تقودها، تسير وفق مشيئتها، وفق المسار الذي تقرره هي لها، فتتولد الاشكال وحدها: أطياف فتيات، آلات موسيقية... أحصنة شامخة فخورة معتزة متحدية... أشكال متفلتة من عنصر الزمن، تسبح في فضاءات اللوحات ضمن مساحات لونية ضيقة تغلب عليها الالوان الباردة، (خصوصا الازرق والبنفسجي)، تلتغي الحدود فيما بينها تدريجيا... تخترقها مشحات نارية ناتئة فوق السطح، رغم ان الفنانة لم تستعمل موادا نافرة، فتبدو متحررة من قيود المكان أيضا. "التجريد يحرر النفس، هو كالذهاب في رحلة دون خارطة ودون وجهة. هو نعمة ولعنة للفنان... لا أعرف أبداً كيف ستبدو اللوحة في النهاية".

6/06/2008

ثقافة الاستشهاد


الاثنين، في 14 نيسان 2008
"في السبعينيات من القرن الماضي، درجت كلمة "فحل"... لماذا درجت هذه الكلمة بالذات؟ هي موضة، تأتي وحدها وتموت وحدها. كذلك العمليات الاستشهادية... موضة". هكذا اختصر رئيس قسم الفلسفة في الجامعة الاميركية في بيروت الدكتور بشار حيدر ظاهرة العمليات الاستشهادية في ندوة «لماذا ننتحر: قراءة في العمليات الاستشهادية» التي اقيمت امس ضمن فعاليات مهرجان "أشغال داخلية 4" الذي نظمته جمعية "أشكال ألوان".
لم يقتنع الجمهور، ولم يُشف غليله. لا بد من وجود ثقافة ما وراء هذه الظاهرة. توقعوا نوعا من التحليل السوسيولوجي او الفلسفي للفكر الذي يقف وراء ذلك كله. صرخ أحدهم دون طلب الاذن بالكلام: "هذه تفاهات! نريد اجابات شافية، مستندة الى نظريات وادلة! اذا كنت تريد ان تحاضر في الموضوع فعليك على الاقل ان تحضر له!"...
البعض الآخر سلم بانها موضة... لكن من يقف وراء هذه الموضة؟ من المروج لها؟ ومن المستفيد منها؟ اما الجواب، فكان: ومن يستفيد من ترويج كلمة "فحل"؟
كلام الدكتور لم يعجب اي من الحاضرين. الكل خرج غاضبا، او مستفزا، وانا في مقدمتهم. شعرنا باهانة ما في مقاربة موضوع كبير امامنا بهذه الطريقة السطحية. لو تحدث عن البعد الديني (وهو جزء من السوسيولوجيا)، البعد الميتولوجي، لو تحدث عن البعد القومي، البعد الفكري، لربما اقنعنا. لو تطرق الى المروّج والمحرض والمستفيد، لربما اكتفينا...

الثلثاء، في 15 نيسان 2008
جريدة السفير:
"قراءة في العمليات الاستشهادية" في مهرجان "أشغال يدوية 4"
ليست موضة.. والنقاش من طرف واحد ليس ديموقراطياً (اسكندر حبش)
... لنسلم جدلا (على سبيل المثال) بوجهة نظر بشار حيدر من أن العمليات الاستشهادية تبدو اليوم بمثابة موضة شبيهة بموضة الأزياء. ربما هي فكرة مثيرة بدورها، ولكن لا أعرف لم أحسست بأن الفكرة لم تصل، بما تقتضيه من ثقافة وراءها، إذ بدا طرحه وكأنه نكتة لم تصل إلى مستوى التحليل السوسيولوجي لظاهرة الأزياء مثلا. بالتأكيد يمكننا أن نقف في مواجهة هذه العمليات، لكن في النهاية ثمة فكر حقيقي وراء ذلك كله لا يمكن الاستخفاف به، لدرجة جعله أشبه بموضة الأحذية. لذلك ثمة سؤال بديهي أين الديموقراطية في الاعتراف بالآخر؟

الاحد، في 20 نيسان 2008
جريدة المستقبل
عن "أشكال ألوان" و"الكرنتينا" و"كبابجي"
نزهة انسيابية بين المسرح والمطعم (فادي طفيلي)

... حديث المنتظرين الآخرين وصله واضحاً. كان هؤلاء يتحدّثون عن "ندوة العمليات الانتحاريّة" التي خرج منها "الفيلسوف" غاضباً محتقناً مهتاجاً وشاتماً، تاركاً خلفه تلميذه النيويوركي الممانع يحاول تنفيذ عمليّة انتحاريّة. أحسّ "الفيلسوف" بالدماء في رأسه وانفجر صارخاً ملوّحاً بكتابيه: "يا جهلة، يا تافهين. يا أكلة الأرفلي والعنتبلي ويا أعداء الفلسفة. في الندوة لم يستشهدوا بالمفكّرين الكبار أمثالي وأمثال دريدا، وأنتم هنا تأكلون العنتبلي وتشربون اللبن. لم تقرأوا كتبي يا جهلة يا أمّيين. كتبي. كتبي. كتبي. كتبي. أنا مفكّر، أنا فيلسوف. واع، واع، عو، عو.... وأنتم تشربون اللبن". ثمّ دوى انفجار من داخل المسرح. الانفجار نتج عن عمليّة انتحاريّة نفّذها تلميذ "الفيلسوف"، التلميذ النيويوركي الممانع. الانفجار أصاب منفّذه وأمات الحاضرين من الضحك.

الخميس، في 1 أيار 2008
لا تزال تلك الندوة موضوعا للنقاش، فالبارحة كان شخصان جالسان على طاولة مجاورة لطاولتنا في احد مقاهي الحمرا يتجادلان حولها. ومنذ دقائق كنت أخبر صديقي عنها... وقد لفت نظري الى عدد من الامور، اهمها ان الندوة كانت ناجحة، والدليل انها خلقت شعورا، ولو سلبيا، لدى المستمع، تاركة اثرا كبيرا لدرجة انها ما زالت مثارا للجدل بعد مضي اكثر من اسبوعين عليها.
كما اشار الى ان الرجل كان مدركا بالطبع لردة الفعل التي ستثيرها مداخلته... لكنه مضى بها. فالعمليات الاستشهادية بنظر الناس تحمل ابعادا متعددة، دينيا ووطنيا خصوصا، وهم لذلك يسعون الى تفسير فلسفي على اساس انها ظاهرة تستأهل التوقف عندها وتحليلها تحليلا عميقا.
الا ان الرجل الذي لا يشاطرهم الرأي بتاتا، ولا يرى فيها ربما سوى استغلالا للشعارات الدينية او القومية او الوطنية لخدمة اهداف سياسية، اراد ان يقول ان الموضوع ليس عميقا كما يتصوره الجميع، حتى انه موضوع سخيف... فجاءت مقاربته للموضوع سخيفة سطحية بنظر الناس، لكن عميقة فعليا اذ انه اوصل وجهة نظره بالطريقة الاكثر تأثير في المتلقين، بغض النظر عن ردة فعل اولئك التي كانت متوقعة ومنتظرة من قبل المحاضر.





الإعلام اللّبنانيّ... منكوبٌ


أيار 2008، نقطة سوداء في تاريخ حرية التعبير... ايام سوداء في تاريخ الصحافة اللبنانية والاعلام اللبناني، في تاريخ الثقافة اللبنانية، بل في تاريخ لبنان، كل لبنان...
في الثالث من أيار، احتفل لبنان بـ"اليوم العالمي لحرية الصحافة". وفي السادس منه، كانت الصحافة تحتفي بشهدائها، اصحاب الاقلام الحرة الذين رفضوا الانصياع لارهاب السلطات والانظمة القمعية الشمولية التي طالما شكلت الحريات عامة وحرية التعبير خاصة عدوها الاكبر.
وها هو الاعلام اللبناني الذي بني على أساس التنوع والحرية والديمقراطية يتعرض لابشع واعنف حملة في الايام التالية، وها هي الحرية تتلقى ضربة في الصميم.

اضراب عمالي يتحول حروبا حزبية متنقلة في ازقة وشوارع بيروت ولبنان. كعادتهم، نزل الصحافيون الى قلب الحدث. حملوا كاميراتهم والدفاتر والاقلام سلاحا للقيام بواجبهم: البحث عن الحقيقة لايصالها الى الناس. غير ان الصحافة في لبنان مقدر لها ان تتحول دوما الى "قضيّة".
نعم، الصحافة اللبنانية وحرية التعبير تلقت أكبر ضربة في تاريخها، وكانت الخاسر الاكبر من الاشتباكات الاخيرة.
المضايقات التي تعرض لها الصحافيون من كل المحطات لا تعدّ ولا تحصى، وان تفاوتت نسبتها ونتائجها. البداية كانت مع جريدة "صدى البلد"، مع اصابة الزميلين المصورين أسعد أحمد ووديع شلنك اللذين نقلا الى المستشفى للمعالجة، بالاضافة الى المضايقات التي تعرض لها كل من علي حلاوي وديانا سكيني اللذين كانا في تغطية ميدانية للاحداث.
الا ان المتقاتلين لم يوفروا اي وسيلة اعلامية، مهما كان انتماؤها، فكرّت المسبحة حتى اصبح بالامكان القول ان الصحافيين باتوا هدفا سهلا للاعتداء والمضايقة في كل المناطق. وقد اختلفت الاساليب المعتمدة من مصادرة الكاميرا واعادتها، للمحظوظين فقط - بدون الكاسيت طبعا – الى الـ"تدفيش وشدّ الشعر" ومصادرة الاوراق (باتريسيا خضر من لوريان لوجور)، او الاعتداء بالضرب (مصور جريدة النهار ابراهيم الطويل ومصور تلفزيون المنار)، او حتى الاحتجاز لمدة من الوقت كما حدث مع سكيني وفريق عمل "العربية".
كيف يمكنا ان نفسر هذه الاعتداءات؟ وهل ان تأدية اولئك الصحافيين لواجباتهم يستلزم هذا التعرض الجسدي لهم والمعنوي للصحافة كلها؟ وهل انّ كشف الحقيقة للشعب اللبناني اصبح ممنوعا؟ أم انه الخوف من دور الصحافة في تظهير صورتهم الخارجية، المرآة التي تعكس بشاعتهم وتخلفهم وهمجيتهم؟
بالفعل، بدت الصورة وكأنهم حولوا معركتهم الى مواجهة الاقلام والافكار بالبندقية والصواريخ، فصبوا كامل غضبهم وحقدهم ورفضهم للآخر على الصحافيين ووسائل الاعلام.
لكنّ الاخطر كان صباح اليوم الثالث من الاشتباكات. يوم التاسع من ايار يوم يصعب على المثقفين وأهل الاعلام نسيانه. فهم استفاقوا على خبر توقف بث محطتي "تلفزيون المستقبل" و"اخبارية المستقبل" محليا وفضائيا، بعد تعرضها للتهديد، بالاضافة الى "اذاعة الشرق". وكذلك لم يجدوا جريدة "اللواء" في كشك الصحف التي حالت المداهمات دون صدورها، للمرة الاولى في تاريخها!
لكن الغصة الاعلامية ما لبثت ان تحولت حرقة وهلعا على مصير حرية التعبير كلها في "بلد الحريات"، مع متابعة مشاهد الدخان المتصاعد من الطابق الرابع من مبنى "جريدة المستقبل" بعد اطلاق القذائف الحارقة عليه، وبعد تخريب واحراق المبنى القديم لـ"تلفزيون المستقبل" في الروشة، ورميه بقنابل "المولوتوف"، واقتحام مبنى مجلة "الشراع" وتحطيم محتوياته. حتى حرمة المنازل اغتصبت، فدخل مسلحون منزل الصحافي محمد سلام، وخربوا محتوياته...
وان حملة الاستنكارات الواسعة التي انطلقت من قبل كل الاطراف والدعوات لتحييد وسائل الاعلام عن المعارك الميدانية لم تكف، فالمطلوب كمّ الافواه وخنق الاصوات وقمع الافكار، وها هي السنة النار، نار الحقد والجبن والخوف من الكلمة تلتهم في اليوم التالي "اذاعة سيفان" الارمنية التابعة لتيار المستقبل ايضا.

فهل اصبح على الصحافة اليوم ان تخاف من الاحزاب بعد ان كانت دوما معركتها مع رقابة السلطات وقراراتها التعسفية؟ وهل أصبحنا في عصر تستباح فيه المؤسسات الاعلامية وتهدد وتجبر على التوقف عن البث او الصدور وتحرق مبانيها من قبل أبناء البلد لمجرد انها تقدم رأيا مخالفا او تحمل وجهة نظر مغايرة؟ وهل أصبح على وسائل الاعلام ان تطلب من الدولة ان تحميها من "أبناء البلد"؟ وألا يجدر بنا أن نعلن أنّ الاعلام اللبناني خط احمر لا يجدر المسّ به؟ أم علينا أن ننعي حرية الرأي والتعبير؟



صرخة مدوية أدمعت معظم السامعين أطلقتها الصحافية في "اخبارية المستقبل" سحر الخطيب عبر برنامج كلام الناس ليلة تعرّض اعلام المستقبل للترهيب والتوقف القسري عن البثّ، اعتبرت فيها انّ "الموضوعية هي ألا تسكت عن الظلم حين تراه"، وقالت: "في كل جسم الانسان شيئان فقط لا يلمسان الروح والصوت، فمن انتم لخنق صوتنا، من أنتم لتتحدوا ارادة الله؟"







5/28/2008

أنا اليوم مقاتلة في صفوفكم!!!

الغضب بدأ يدور في جسدي. يتفشى ولا قدرة لي على ايقافه. يملك رويدا رويدا على عقلي. هي العواطف تنفجر. الغضب، نعم، الحزن، القهر، حتى الحقد... وربما قليل من الخوف أيضا. لم يعد من مكان للعقل. لم يتركوا له مكان. هل هكذا يعدّون جنودهم للحرب؟

أنا الآن مستعدة لاحارب. لاقاتل. لاقتُل. القضية اصبحت تتعلق بقيمتي كانسان، بوجودي، بحريتي، بحقوقي، بكبريائي... الاشياء حولي لا قيمة لها. حولوني وحشا ينتظر اشارة لينهش فريسته، ليمزقها، ليسكر من دمها وينتشي من ألمها. سأقطعها اربا اربا... لن استعجل... سأمعن النظر في عينيها المرتعبتين. بهدوء، سأسلخ جلدها. ستتألم، ستصرخ... وانا ستبقى هذه الذكرى في مخيلتي. لن تزعجني. سأتفاخر بها امام الجميع. انا قمت بواجبي. انا دافعت عن وجودي، عن حريتي، حرية اليوم وحرية الغد. انا دافعت عن الحاضر وعن المستقبل.

أنا أعرف انهم هم حولوني الى هذا الوحش. او بالاحرى هم ايقظوا الوحش الكامن في داخلي، الوحش الذي سعيت طول حياتي لاروضه. وحش لم اظن يوما انه سيعود اقوى مما كان، اكثر فتكا وغباوة وتمردا.

هو الصراع الآن بين عقلي وبين الشعور... تخبطت فيه، تألمت، أحسست بالخيبة من نفسي، من ذاتي.
اعتذر يا عقلي، فالشعور تغلب اليوم عليك. انا اليوم مقاتلة في صفوفهم، ساحمل السلاح الى جانبهم، سأقتل وأنهش من يقف في وجهي. سأسكر من دم فريستي وأنتشي من ألمها. لكن لا تلمني انا، لمهم هم الذين عرفوا كيف يحولونها معركة وجودية.

"اعطونا الطفولة"

ليس ما يؤلمني أكثر من رؤية ابنة خالي، وهي لم تتجاوز سنتها الرابعة، تقول، ببراءة الطفولة، وابتسامة المنتصر الظافر: "أنا خرجت الى الشرفة، هم يطلقون النار، لكنهم لم يصيبوني".

هذه الطفلة التي كان يفترض ان تكون في صفها، مع اصدقائها، تتعلم الكتابة والاغاني وتستمع الى قصص جميلة ينسجها خيال معلمتها، ها هي في المنزل، ككثيرين غيرها من التلامذة التي اغلقت الاحداث الاخيرة ابواب مدارسهم.

من حسن حظ هذه الطفلة – ومن حسن حظي انا - اننا لا نعيش في المناطق التي شهدت أعمال عنف. فبمَ كنت لاجيب لو سألتني من يطلق النار علينا؟ ولماذا؟ وماذا سيحدث؟ وهل سنموت؟...
من عادات الطفل ان يسأل كثيرا، اسئلة تتحول "مزعجة" حين يعجز الاهل عن الاجابة، خصوصا عندما تتعلق باسرار الوجود والحياة والموت.
لكن في حالتنا هذه، الاجابة أصعب. كيف تشرح لطفلة في الرابعة عن قتل الانسان للانسان، عن حروب الطوائف... كيف تشرح لها كيف يقتتلون باسم الله، وأنت طالما صورته لها بانه المحبة المطلقة؟ كيف تحكي لها عن ذاكرتنا المليئة بالكره والاحقاد... وعن ثقافة النسيان بالتراضي؟
ها هو جيل آخر ينشأ على صوت دوي المدافع ورشق الرصاص، على الاختباء في الحمامات وقضاء الليالي في الملاجئ... وها هو الحلم بقيامة الوطن على يد هذا الجيل يسقط كما تهاوت آمال كثيرة سابقا. ماذا يمكننا ان نفعل اليوم وغدا سوى رؤيتهم يكبرون ليعيدوا أخطاء من سبقوهم؟ ماذا نأمل غير أن يكونوا هم "خاتمة احزان" لبنان؟ وفي الانتظار، لا يسعنا الا ان نردد، مع الشاعر محمود درويش، بألم كبير، لكن بأمل أكبر: "تصبحون على وطن".

لوحة زيتية - يولاند نوفل



الحياة الليلية... مسيّسة أيضا!


الساعة تعدت منتصف الليل بقليل. الساهرون بدأوا بالوصول. يقف الـBouncer على الباب، يستقبلهم، ويطرد بعض الذين تأخروا فلم يحصلوا على حجز، ورغم ذلك اتوا قائلين: "منجرب حظنا".
السيارات الفخمة مركونة امام الملهى. وان لم تكن سيارتك فيراري او بورش من احدث الموديلات، فلا مكان قريب لها، وسيأخذها الـvalet الى حيث لا يمكن لاحد ان يراها. الجو هادئ في الداخل، الانوار ما تزال مضاءة، وصوت الموسيقى منخفض. الكل بانتظار محيي السهرة او ما يعرف بالـone man show، الذي لا تحلو من دونه السهرة - حتى لو لم يكن صوته جميلا- ولا يبدأ وصلته الا بأغاني الطرب لكبار الفنانين العرب، لينتقل بعدها الى اغان "اخفّ" لفنانين معاصرين، فيندفع الشباب والصبايا (وكلهن متشابهات من حيث شكل الانف والخدود والشفاه وقصة الشعر...)، ويقفون على كراسيهم او على الطاولات للرقص، لان معظم المرابع الليلية اللبنانية باتت تفتقر الى الـpiste، وهي مصممة على شكل pub اكثر من "نايت كلوب".
سهر وسياسة...
السياسة، الانقسامات الحادة والاجواء المشحونة ترافق اللبناني اينما حل، حتى في سهراته، فيمضي محيي السهرة نصف الوقت المخصص له في انشاد الاغاني الوطنية، وقد وصل الامر في بعض الاندية الليلية الى تمرير بعض الاغاني السياسية والحزبية الملتزمة، للترويج لفكر او انتماء صاحب الملهى الحزبي، او لاثارة الجماهير واضفاء المزيد من الحماس.
"شدوا الهمّة" لمارسيل خليفة، "سقط القناع" لماجدة الرومي، "غابت شمس الحق" لجوليا بطرس، اغان تعودنا سماعها في التظاهرات والاعتصامات، او الاحتفالات الحزبية، الا انها تحولت اليوم الى نبض السهرات اللبنانية، فنرى الناس يتحمسون لها، ويتمايلون على انغامها، دون أي تردد في اظهار انتمائهم الحزبي، من خلال حركات بايديهم تحولت الى اشارات للتعريف عن الحزب المقصود (الدلتا للقوات، علامة الصح للتيار، حرف الـPi للمردة...). فجأة، يلوح احد الراقصين على البار بعلم "اورانج" (مثلا)، فالاعلام اصبحت اكسسوارا ضروريا للسهرة. يرد عليه بعض القواتيون المستفزون بالهتاف للحكيم. الـone man show يشارك ايضا، فـ"يوزع" تحياته للجنرال والاستاذ والسيد، وسط فرحة محبي التيار ومناصري "الحزب الالهي" غير الملتزمين وصراخهم "الله، نصرالله، الضاحية كلها".محيي السهرة يدرك ان عليه ارضاء كل الساهرين، بكل انتماءاتهم، لذا تبدأ مجموعة من التحيات لا تنتهي لمعراب والمختارة والرابية وزغرتا والحكومة والشيخ سعد والسنيورة وكل اسماء البلدات والاشخاص التي تمر في ذهنه بينما هو يغني "يا رايح عالجنوب" و"زحلة يا دار السلام"...
...وشمبانيا
صوت الموسيقى ينخفض، واضواء المفرقعات تشع. "10 قناني شمبانيا للاستاذ فلان". لا تلبث المفرقعات تنطفئ حتى تفاجأ بالعاملين في الملهى يستعيدون الزجاجات العشر. انها "آخر موضة"، السعر اقل بكثير اذا لم تفتح الزجاجة، وهذا يناسب اللبناني الذي لا يسمح له "برستيجه" ان يمضي سهرة دون ان يلاحظه الآخرون ويردد اسمه على الـ"ميكرو" عشرات المرات، لكن مدخوله لا يسمح له دوما بعيش حياة الترف هذه. الاستفزازات المتبادلة، والحماسة الزائدة، غالبا ما تودي الى المشاكل، خصوصا اذا ما اقترنت بافراط في شرب الكحول، كأن تلك الاجواء لا تكفي لافساد سهرة من كان يرغب بقضاء ليله بعيدا عن السجالات وصراخ السياسيين على شاشات التلفزيون.
بحبك يا لبنان
ختام السهرة لا يمكن ان يكون الا بتعبير من الساهرين عن حبهم لوطنهم لبنان، وان احبوه كل على طريقته، او احبوا الـ"لبنان" الذي يريدون او يتصورون، فيشاركون الـone man show في اداء اغنية "بحبك يا لبنان" للسيدة فيروز، بجو كبير من التأثر، قبل ان ينهي المطرب وصلته الوطنية ويعود الى الاغاني الطربية، فيبدأ الحاضرون بالمغادرة، وضوء الصباح بدأ يلوح في الافق.

الصور من مجموعة الفنانة فاديا حداد "masques"

في ذكرى رحيل نزار قبّاني العاشرة... تحيّة لرجل أدرك معنى أن يحبّ الامرأة

عشر سنين مرت على وفاة احد اكثر الشعراء اثارة للجدل في علاقته بالامرأة ونظرته لها، في حياته وبعد مماته... عشر سنين على رحيل الشاعر الذي ثار على التقاليد الاجتماعية والقوالب الشعرية الجاهزة... نزار قباني الذي عرف كيف يحب الامرأة، وكيف يغازلها، وكيف يدللها، ما زال حتى اليوم متهما من قبل كثيرين من نقاد عالمنا العربي بالفسق والبغاء من جهة، وبالغطرسة الذكورية الشرقية من جهة أخرى.
لقد كان قباني من ابرز دعاة تحرير الامرأة العربية من السلطة الذكورية والاجتماعية، داعيا اياها للثورة على العادات والتقاليد، وعلى السلطة الذكورية: "ثوري، أحبك ان تثوري". سمى الاشياء باسمها، وتلفظ بتعبيرات لا يجرؤ الكثيرون حتى اليوم على استخدامها. توقف مطولا عند تفاصيل الجسد وفصل تضاريسه بمئات الصور الشعرية، وكان للنهد مكانة خاصة لديه: "تبارك مجد السفرجل/ والقصب السكري/ ومجد البياض، ومجد الحليب/ ومجد الرخام" او "نهداك وحشيّان... والمصباح مشدوه الفم / والضوء منعكس على مجرى الحليب المعتم / وأنا أمدّ يدي... وأسرق من حقول الأنجم / والحلمة الحمقاء... ترصدني بظفر مجرم / وتغطّ إصبعها وتغمسها بحبر من دمي... / يا صلبة النَهدين... يأبى الوهم أن تتوهمي/ نهداك أجمل لوحتين على جدار المرسم..."
ولكن هذا الوصف المتقن والجريء لجسد الامرأة دفع بالكثيرين الى اتهامه بانه لم يستطع ان يطفئ في داخله تلك النزعة "الشهريارية" لدى الرجل الشرقي، كما لم يستطع اخفاء تلك النظرة المتخلفة للامرأة على انها اداة جنسية فقط: "فصّلت من جسد النساء عباءة / وبنيت اهراما من الحلمات". وان اولئك الذين انتقدوه اضافوا ايضا انه اختصر الامرأة الى نهود وشفاه وملابس وحلى، ميزات جسدية فحسب تتجاهل قدرتها العقلية.
لكن لماذا التوقف فقط عند تلك الابيات، وتناسي القصائد الكثيرة التي يدين فيها الرجل الشرقي في عدم احترامه لزوجته، وعدم تقديره لها: "ونرجع آخر الليل / نمارس حقنا الزوجي كالثيران والخيل / نمارسه خلال دقائق خمسه / بلا شوق ... ولا ذوق / ولا ميل / نمارسه .. كآلات / تؤدي الفعل للفعل / ونرقد بعدها موتى / ونتركهن وسط النار / وسط الطين والوحل / قتيلات بلا قتل".
ولماذا نتجاهل قصيدة "المذبحة" التي يدين فيها الممارسات الوحشية بحق الامرأة: "كنا ثمانية معا / نتقاسم امرأة جميلة / كنا عليها كالقبيلة / كانت عصور الجاهلية كلها / تعوي بداخلنا / وأصوات القبيلة [...] كنا نعبر عن فحولتنا / فواخجل الفحولة [...] كنا ثمانية على امرأة / وكان الليل يرثينا / وترثينا الرجولة".
لا، ليس نزار قباني ذاك الفاسق المنحل الساعي الى اللهو والبغاء فقط كما صوره بعض نقادنا، فمن صور امرأته بنفس الروعة التي تكلم بها الشاعر عن زوجته بلقيس؟ ومن منهم أظهر حبا "واقعيا"، كما ظهر حب نزار قباني، حب بعيد عن الخداع والعذرية والمثالية...
اذا كان من غير الممكن ان ننكر بعض الغطرسة الرجولية الشرق – عربية في شعر قباني، الذي يقول: أنا في الحب صاحب معجزات / جئت للعاشقين بالآيات / كان أهل الغرام قبلي أميين / حتى تلقوا كلماتي"، وهو كان مدركا لتأثيره الكبير في نفس النساء: "اتحداهم جميعا / ان يخطوا لك مكتوب هوى / كمكاتيب غرامي / او يجيئوك على كثرتهم / بحروف كحروفي / وكلام ككلامي... اتحداهم جميعا / ان يكونوا قطرة صغرى ببحري"، غير انه من المجحف ان نختصر رؤيته للامرأة على انها اداة متعة فقط، فأن يتغزل الشاعر بجسد الامرأة كما فعل قباني، ويفصل أجزاء الجسد أيضا امر يصبح مقبولا متى استطعنا ان نكسر حاجز "الاخلاقيات"، التي هي اصلا غير ثابتة وتسقط او تتغير مع مرور الزمن، وهذا لا يعني أبدا ان الشاعر لا يقدر ميزات اخرى فيه.
الامرأة العربية بعد نزار قباني لا تشبه نفسها قبله. ثورة لا بد ان تكون حدثت في كل امرأة قرأت قصائد نزار، وتعمقت في غزله، ثورة على القمع الداخلي المفروض عليها، وثورة على كل تلك المفاهيم البالية الي ترسخت فيها على مر الزمن، فاستسلمت لفكرة ان جسدها مصدر شر واثارة غرائز حيوانية، وأضحت تخجل به وتتعامل معه على انه اعاقة او نقص، وكرهته... حتى الاقتناع بوجوب اخفائه او "تستيره"!
الشاعر دعاها صراحة الى الثورة. لقد اعاد لها ثقتها بنفسها، بجمالها، بجسدها... صورها فخورة مدللة... حضها على الاعتناء بجسمها، على احترامه، على حبه، على ان تقدم نفسها دوما بابهى حلة. اكد حقها باللعب، باللهو، بالاستمتاع... حقها في اللذة، في ان تشعر بانها مرغوبة، محبوبة، مثيرة، جميلة دوما. ولذلك، فالنساء احببنه، ولذلك كسرن التقاليد في دفنه، ورافقن جثمانه الى المسجد خلافا لما هو سائد في دمشق.
حبذا لو كل امرأة عربية تقرأ اليوم هذا الغزل، وترى نفسها في قلب تلك الاشعار... حبذا لو تستطيع ان تكون كل امرأة ليوم واحد فقط حبيبة نزار...

المنحوتة للفنانة كلوتيلد أنكاراني - حديد - من معرض Réservé aux dames في غاليري أليس مغبغب

اللوحتان للفنانة اللبنانية الهام مكارم،

الاولى بعنوان nude - تقنية mixed media - oil &metal on canvas - عام 2004

الثانية بعنوان extrovert - تقنية mixed media - oil &metal on canvas - عام 2004

في يوم دفني...

أخاف من الموت. أحسد أصدقائي الذين لا يخافون، اولئك الذين يؤمنون بالجنة وبأنّهم سيكونون من أهلها. أنا لا أنكر وجودها. أنا فقط لا أعرف اذا هي فعلا موجودة أم لا. لو تأكدت لما خفت من الموت. بل كنت لأنتظره. لا أذكر متى توقفت عن الايمان بالجنّة وجهنّم. ربما عندما أصبحت الجهنّم التي يصورونها أجمل من الجنّة بالنسبة لي. وقد كان ذلك منذ زمن طويل.
أخاف من الموت بكل أشكاله. أخاف أن أموت، لكني ارتعب من فكرة أن يموت الاشخاص الذين أحبّهم. هل تعودت على فكرة الموت؟ لا أدري، قد أكون فعلت، لكني لم استطع ان اتوقف عن التفكير فيه.
أنا، فتاة في العشرين من العمر، قتلت نفسي مئات المرات. في كلّ مرة، أرسم مشاهد الدفن. لا يهمني كيف متّ، المهم انني هناك، ممدة بالفستان الابيض… جميل، فستان عرس حقيقي لا فستان دفن. كثيرون يلتفّون حولي. الكلّ يبكي… هم فعلا أحبوني. المجتمعون حولي على الاقلّ.
هنا أختي لم تتوقف عن مناداتي والبكاء. أنا أسمعها، أمسك بيدها، أريد أن أواسيها… لا أستطيع. هل ما زالت غاضبة لاني لم أرتب خزانتي؟ تبدو ضعيفة هنا، مكسورة الخاطر… مفجوعة حتى. كانت دوما تبدو
صلبة. يبدو انني كنت أكثر صلابة منها، ولو لم يكن ذلك جليّا. ماذا ستفعلين بتختي؟ هل ستنامين فيه لبضعة أيّام؟ ستنامين وحدك من الآن فصاعدا. اعرف انك ستشتاقين إليّ. كثيرا. لا تبدين جميلة في الاسود. لطالما قلت لك أن تلبسي الاحمر يوم مماتي. هل عليك فعلا ان تتقيدي بهذه التقاليد البالية؟
في الجهة المقابلة، يقف والدي، بعينين دامعتين لم أعتدهما، ليتقبل التعازي. هذه طفلتك الصغيرة قد رحلت، هي التي دللتها وقضيت الليالي الطوال بجانبها ترحل دون رجعة. كم تتمنى لو تستطيع أن تجلس قربها الآن، ان تقبلها على جبهتها كما فعلت دوما، ان تقوم بتلك الحركة التي تلمس فيها انفها، حركة طالما أضحكتها. تريد أن تودعها، ان تنفرد بها دقائق قليلة، ان تشرح لها كم تحبها… أشعر بالغصة في قلبك… يداك ترتجفان. لا يا أبي، لا تنهر أمامهم. لا أحبّ أن أراك تضعف أمامهم.
حضر كثير من أصدقائي. بعضهم لم يسمع بالخبر حتى الآن. لا ألومهم، فأنا لن أحضر دفنهم. لا أريدهم ان يبكوا. ما نفع البكاء؟ ولكنهم يبكون فتختلط دموعهم بدموعي. بعضهم لم يكن يحبني. لماذا يتظاهرون بالحزن والاسى؟ أنا اوصيتكم منذ زمن ان تطردوا الكاذبين المنافقين المتباكيين. لماذا لا تحترم ارادة الانسان بعد مماته؟
للمرة الثانية، تبكين حفيدة يا جدتي. أنت قد ظلمت فعلا. لا أدري لماذا النحس يرافقك اينما كنت. صحتك ضعيفة، لا يجب أن تحزني. ماذا أقول لك؟ الذنب ذنبي اليوم، فانا اخترت ان اموت واجعلك شاهدة على مأتمي. لم تزوجيني يا جدتي “على إيّامك” كما كنت تقولين. لقد دفنتيني “على إيّامك”…
هو عرسٌ أكثر مما هو دفن. ابدو جميلة في فستان العرس. حتى أنهم وضعوا بعضا من الحمرة على شفتيّ…
أخاف من اللحظة التي سيقفلون فيها التابوت… سيعلو الصراخ، سينفعلون، سيرونني أغادر على وقع الزغاريد، سيرقصون بالتابوت الابيض… قد يرافقني الطبل أيضا…
لا أدري لماذا اهتمّ لهذه الدرجة بدفني، لمَ أريد أن يكون كل شيء منظما وجميلا… أليس الاهمّ اني سأكون قد متّ؟…


اللوحة للفنانة كلوتيلد أنكاراني - من معرض "réservé aux dames" في غاليري أليس مغبغب - mixed media on canvas

الرسم لأمل كعوش من معرض "ميرون 1948" في مسرح دوار الشمس ضمن فعاليات "مهرجان الربيع 2008) - عنوانه: الموت - http://meiroun.blogspot.com/

لا تتدخلي في أحلامي!

صباح الخير يا أمّي.
للمرّة الاولى، أصبحك، منذ ثلاثة عشر عاما. لكن الذنب ليس ذنبي. فأنت لم تزوريني مذاك. ولا مرة. حتى عندما كنت بأمس الحاجة اليك، لم تأتي. عندما كنت أناديك، اشتاق لان أسمع صوتك العذب، لأن أرى وجهك البهي، لملمس يدك الناعم يمسح الدموع عن وجهي محاولا ان يراضيني، لقصة صغيرة أنام دائما قبل أن تصل الى نهايتها... لم تأتي.
تعوّد وجهي ملمس يدي أبي الخشنتين، لكن، لا تجزعي، فهما حنونين. قد أجرؤ أن اقول أحنّ من يديك. لكنّ أبي لم يعد يخبرني قصصا. لم أكن أطلبها أصلا، ولم تعد تنفعني لانام. كان عليه أن يبتكر، كل ليلة، طريقة جديدا، علني أتوقف عن البكاء وطلب رؤيتك.
أساليبه لم تفلح الا نادرا... لكنّ الانسان يا أمّي ينسى. وربّما لهذا السبب سمي كذلك...
لم أعد أذكرك الا صورة معلقة في غرفتي وعلى حائط غرفة جدتي. لم تعودي ذكرى حتى. مجرد صورة معلقة اشيح بنظري عنها ما استطعت... أتحاشاها. ربما لاني اشعر بالذنب: ذنب أن أكون نسيتك!
نعم، نسيتك... حتى الصوت والقصص وذاك الملمس الناعم، لم اعد اذكرهم، وانما اذكر نفسي أطالب بهم باكية. هل أحبّك؟ وهل يحبّ الانسان صورة؟...
ألا تعتقدين من الوقاحة أن تزوريني في الحلم هذه الليلة؟ لا أنكر أنك حركت فيّ بداية بعض المشاعر في هذا الترائي المفاجئ... لكنك حتى لم تتكلفي عناء الظهور، وانما كلمتيني عبر الهاتف! عاتبتك في الحلم، قلت أتعودين الآن هكذا؟ أين كنت في الثلاث عشرة سنة المنصرمة؟ وأعود الآن واسألك لماذا تتدخلين في احلامي، وتقلقيني في ساعات راحتي؟
أظنك الآن تقولين "بأيّ قسوة اصبحت يا ابنتي الصغيرة؟"...
لا يا أمي، هذه ليست قسوة، هذه هي الحقيقة... أقولها بوجهك للمرة الاولى... وهي ربما المرة الاولى التي اعترف بها. لطالما اردتك ذكرى جميلة! الا انك لا تعرفين ان تكوني سوى صورة معلقة او ذكرى مؤلمة...

وانفجرت ستّ الدنيا!..

المشهد تكرر... مقنعون ملثمون يحرقون الاطارات، يضرمون النار في مكبات النفايات، يقطعون الطرقات... اكياس التراب ومكعبات الاسمنت ترتفع سواتر عند خطوط التماس الجديدة... وها هم يتقاتلون من جديد... وها هي شوارع العاصمة تشهد مرة أخرى تحارب ابنائها. هذه الـ"بيروت" التي لم تعد تجد ما يبلسم لها جروحها، وما يوقف نزيفها، وقفت بكماء تنظر بأسى الى حقد ابنائها، الى كرههم لبعضهم ولها... غضبت أمام هذا الاقتتال العبثي، اقتتال ابناء الدين الواحد وباسم الدين... لم تقو على رؤية قلبها يحترق... ملّت الرصاص والطلقات ودوي القذائف والانفجارات... فانفجرت! دوى الرعد في سمائها، ولمعت شرارة الغضب... اختلط أسى العاصمة بجهل ابنائها. ذرفت سماؤها الدموع مطولا، لكنها لم تستطع ان تطفئ نار الحقد المشتعل.
استسلمت... استسلمت "ستّ الدنيا" امام جهل ابنائها، امام كرههم وتعصبهم، امام مشاهد الدمار والخراب...
السلاح تغلب على "بيروت الثقافة"...
العصبية تغلبت على "بيروت الانفتاح"...
الرجعية تغلبت على "بيروت التحرر"...
جففي دموعك يا بيروت الحبيبة الغالية... فحرام ان تبكي أبناء لن يبكوك يوما!

(الصورة من معرض "vous écrire" لسيرين فتّوح في المركز الثقافي الفرنسي)