5/28/2008

الحياة الليلية... مسيّسة أيضا!


الساعة تعدت منتصف الليل بقليل. الساهرون بدأوا بالوصول. يقف الـBouncer على الباب، يستقبلهم، ويطرد بعض الذين تأخروا فلم يحصلوا على حجز، ورغم ذلك اتوا قائلين: "منجرب حظنا".
السيارات الفخمة مركونة امام الملهى. وان لم تكن سيارتك فيراري او بورش من احدث الموديلات، فلا مكان قريب لها، وسيأخذها الـvalet الى حيث لا يمكن لاحد ان يراها. الجو هادئ في الداخل، الانوار ما تزال مضاءة، وصوت الموسيقى منخفض. الكل بانتظار محيي السهرة او ما يعرف بالـone man show، الذي لا تحلو من دونه السهرة - حتى لو لم يكن صوته جميلا- ولا يبدأ وصلته الا بأغاني الطرب لكبار الفنانين العرب، لينتقل بعدها الى اغان "اخفّ" لفنانين معاصرين، فيندفع الشباب والصبايا (وكلهن متشابهات من حيث شكل الانف والخدود والشفاه وقصة الشعر...)، ويقفون على كراسيهم او على الطاولات للرقص، لان معظم المرابع الليلية اللبنانية باتت تفتقر الى الـpiste، وهي مصممة على شكل pub اكثر من "نايت كلوب".
سهر وسياسة...
السياسة، الانقسامات الحادة والاجواء المشحونة ترافق اللبناني اينما حل، حتى في سهراته، فيمضي محيي السهرة نصف الوقت المخصص له في انشاد الاغاني الوطنية، وقد وصل الامر في بعض الاندية الليلية الى تمرير بعض الاغاني السياسية والحزبية الملتزمة، للترويج لفكر او انتماء صاحب الملهى الحزبي، او لاثارة الجماهير واضفاء المزيد من الحماس.
"شدوا الهمّة" لمارسيل خليفة، "سقط القناع" لماجدة الرومي، "غابت شمس الحق" لجوليا بطرس، اغان تعودنا سماعها في التظاهرات والاعتصامات، او الاحتفالات الحزبية، الا انها تحولت اليوم الى نبض السهرات اللبنانية، فنرى الناس يتحمسون لها، ويتمايلون على انغامها، دون أي تردد في اظهار انتمائهم الحزبي، من خلال حركات بايديهم تحولت الى اشارات للتعريف عن الحزب المقصود (الدلتا للقوات، علامة الصح للتيار، حرف الـPi للمردة...). فجأة، يلوح احد الراقصين على البار بعلم "اورانج" (مثلا)، فالاعلام اصبحت اكسسوارا ضروريا للسهرة. يرد عليه بعض القواتيون المستفزون بالهتاف للحكيم. الـone man show يشارك ايضا، فـ"يوزع" تحياته للجنرال والاستاذ والسيد، وسط فرحة محبي التيار ومناصري "الحزب الالهي" غير الملتزمين وصراخهم "الله، نصرالله، الضاحية كلها".محيي السهرة يدرك ان عليه ارضاء كل الساهرين، بكل انتماءاتهم، لذا تبدأ مجموعة من التحيات لا تنتهي لمعراب والمختارة والرابية وزغرتا والحكومة والشيخ سعد والسنيورة وكل اسماء البلدات والاشخاص التي تمر في ذهنه بينما هو يغني "يا رايح عالجنوب" و"زحلة يا دار السلام"...
...وشمبانيا
صوت الموسيقى ينخفض، واضواء المفرقعات تشع. "10 قناني شمبانيا للاستاذ فلان". لا تلبث المفرقعات تنطفئ حتى تفاجأ بالعاملين في الملهى يستعيدون الزجاجات العشر. انها "آخر موضة"، السعر اقل بكثير اذا لم تفتح الزجاجة، وهذا يناسب اللبناني الذي لا يسمح له "برستيجه" ان يمضي سهرة دون ان يلاحظه الآخرون ويردد اسمه على الـ"ميكرو" عشرات المرات، لكن مدخوله لا يسمح له دوما بعيش حياة الترف هذه. الاستفزازات المتبادلة، والحماسة الزائدة، غالبا ما تودي الى المشاكل، خصوصا اذا ما اقترنت بافراط في شرب الكحول، كأن تلك الاجواء لا تكفي لافساد سهرة من كان يرغب بقضاء ليله بعيدا عن السجالات وصراخ السياسيين على شاشات التلفزيون.
بحبك يا لبنان
ختام السهرة لا يمكن ان يكون الا بتعبير من الساهرين عن حبهم لوطنهم لبنان، وان احبوه كل على طريقته، او احبوا الـ"لبنان" الذي يريدون او يتصورون، فيشاركون الـone man show في اداء اغنية "بحبك يا لبنان" للسيدة فيروز، بجو كبير من التأثر، قبل ان ينهي المطرب وصلته الوطنية ويعود الى الاغاني الطربية، فيبدأ الحاضرون بالمغادرة، وضوء الصباح بدأ يلوح في الافق.

الصور من مجموعة الفنانة فاديا حداد "masques"

ليست هناك تعليقات: