5/28/2008

في ذكرى رحيل نزار قبّاني العاشرة... تحيّة لرجل أدرك معنى أن يحبّ الامرأة

عشر سنين مرت على وفاة احد اكثر الشعراء اثارة للجدل في علاقته بالامرأة ونظرته لها، في حياته وبعد مماته... عشر سنين على رحيل الشاعر الذي ثار على التقاليد الاجتماعية والقوالب الشعرية الجاهزة... نزار قباني الذي عرف كيف يحب الامرأة، وكيف يغازلها، وكيف يدللها، ما زال حتى اليوم متهما من قبل كثيرين من نقاد عالمنا العربي بالفسق والبغاء من جهة، وبالغطرسة الذكورية الشرقية من جهة أخرى.
لقد كان قباني من ابرز دعاة تحرير الامرأة العربية من السلطة الذكورية والاجتماعية، داعيا اياها للثورة على العادات والتقاليد، وعلى السلطة الذكورية: "ثوري، أحبك ان تثوري". سمى الاشياء باسمها، وتلفظ بتعبيرات لا يجرؤ الكثيرون حتى اليوم على استخدامها. توقف مطولا عند تفاصيل الجسد وفصل تضاريسه بمئات الصور الشعرية، وكان للنهد مكانة خاصة لديه: "تبارك مجد السفرجل/ والقصب السكري/ ومجد البياض، ومجد الحليب/ ومجد الرخام" او "نهداك وحشيّان... والمصباح مشدوه الفم / والضوء منعكس على مجرى الحليب المعتم / وأنا أمدّ يدي... وأسرق من حقول الأنجم / والحلمة الحمقاء... ترصدني بظفر مجرم / وتغطّ إصبعها وتغمسها بحبر من دمي... / يا صلبة النَهدين... يأبى الوهم أن تتوهمي/ نهداك أجمل لوحتين على جدار المرسم..."
ولكن هذا الوصف المتقن والجريء لجسد الامرأة دفع بالكثيرين الى اتهامه بانه لم يستطع ان يطفئ في داخله تلك النزعة "الشهريارية" لدى الرجل الشرقي، كما لم يستطع اخفاء تلك النظرة المتخلفة للامرأة على انها اداة جنسية فقط: "فصّلت من جسد النساء عباءة / وبنيت اهراما من الحلمات". وان اولئك الذين انتقدوه اضافوا ايضا انه اختصر الامرأة الى نهود وشفاه وملابس وحلى، ميزات جسدية فحسب تتجاهل قدرتها العقلية.
لكن لماذا التوقف فقط عند تلك الابيات، وتناسي القصائد الكثيرة التي يدين فيها الرجل الشرقي في عدم احترامه لزوجته، وعدم تقديره لها: "ونرجع آخر الليل / نمارس حقنا الزوجي كالثيران والخيل / نمارسه خلال دقائق خمسه / بلا شوق ... ولا ذوق / ولا ميل / نمارسه .. كآلات / تؤدي الفعل للفعل / ونرقد بعدها موتى / ونتركهن وسط النار / وسط الطين والوحل / قتيلات بلا قتل".
ولماذا نتجاهل قصيدة "المذبحة" التي يدين فيها الممارسات الوحشية بحق الامرأة: "كنا ثمانية معا / نتقاسم امرأة جميلة / كنا عليها كالقبيلة / كانت عصور الجاهلية كلها / تعوي بداخلنا / وأصوات القبيلة [...] كنا نعبر عن فحولتنا / فواخجل الفحولة [...] كنا ثمانية على امرأة / وكان الليل يرثينا / وترثينا الرجولة".
لا، ليس نزار قباني ذاك الفاسق المنحل الساعي الى اللهو والبغاء فقط كما صوره بعض نقادنا، فمن صور امرأته بنفس الروعة التي تكلم بها الشاعر عن زوجته بلقيس؟ ومن منهم أظهر حبا "واقعيا"، كما ظهر حب نزار قباني، حب بعيد عن الخداع والعذرية والمثالية...
اذا كان من غير الممكن ان ننكر بعض الغطرسة الرجولية الشرق – عربية في شعر قباني، الذي يقول: أنا في الحب صاحب معجزات / جئت للعاشقين بالآيات / كان أهل الغرام قبلي أميين / حتى تلقوا كلماتي"، وهو كان مدركا لتأثيره الكبير في نفس النساء: "اتحداهم جميعا / ان يخطوا لك مكتوب هوى / كمكاتيب غرامي / او يجيئوك على كثرتهم / بحروف كحروفي / وكلام ككلامي... اتحداهم جميعا / ان يكونوا قطرة صغرى ببحري"، غير انه من المجحف ان نختصر رؤيته للامرأة على انها اداة متعة فقط، فأن يتغزل الشاعر بجسد الامرأة كما فعل قباني، ويفصل أجزاء الجسد أيضا امر يصبح مقبولا متى استطعنا ان نكسر حاجز "الاخلاقيات"، التي هي اصلا غير ثابتة وتسقط او تتغير مع مرور الزمن، وهذا لا يعني أبدا ان الشاعر لا يقدر ميزات اخرى فيه.
الامرأة العربية بعد نزار قباني لا تشبه نفسها قبله. ثورة لا بد ان تكون حدثت في كل امرأة قرأت قصائد نزار، وتعمقت في غزله، ثورة على القمع الداخلي المفروض عليها، وثورة على كل تلك المفاهيم البالية الي ترسخت فيها على مر الزمن، فاستسلمت لفكرة ان جسدها مصدر شر واثارة غرائز حيوانية، وأضحت تخجل به وتتعامل معه على انه اعاقة او نقص، وكرهته... حتى الاقتناع بوجوب اخفائه او "تستيره"!
الشاعر دعاها صراحة الى الثورة. لقد اعاد لها ثقتها بنفسها، بجمالها، بجسدها... صورها فخورة مدللة... حضها على الاعتناء بجسمها، على احترامه، على حبه، على ان تقدم نفسها دوما بابهى حلة. اكد حقها باللعب، باللهو، بالاستمتاع... حقها في اللذة، في ان تشعر بانها مرغوبة، محبوبة، مثيرة، جميلة دوما. ولذلك، فالنساء احببنه، ولذلك كسرن التقاليد في دفنه، ورافقن جثمانه الى المسجد خلافا لما هو سائد في دمشق.
حبذا لو كل امرأة عربية تقرأ اليوم هذا الغزل، وترى نفسها في قلب تلك الاشعار... حبذا لو تستطيع ان تكون كل امرأة ليوم واحد فقط حبيبة نزار...

المنحوتة للفنانة كلوتيلد أنكاراني - حديد - من معرض Réservé aux dames في غاليري أليس مغبغب

اللوحتان للفنانة اللبنانية الهام مكارم،

الاولى بعنوان nude - تقنية mixed media - oil &metal on canvas - عام 2004

الثانية بعنوان extrovert - تقنية mixed media - oil &metal on canvas - عام 2004

ليست هناك تعليقات: