5/28/2008

في يوم دفني...

أخاف من الموت. أحسد أصدقائي الذين لا يخافون، اولئك الذين يؤمنون بالجنة وبأنّهم سيكونون من أهلها. أنا لا أنكر وجودها. أنا فقط لا أعرف اذا هي فعلا موجودة أم لا. لو تأكدت لما خفت من الموت. بل كنت لأنتظره. لا أذكر متى توقفت عن الايمان بالجنّة وجهنّم. ربما عندما أصبحت الجهنّم التي يصورونها أجمل من الجنّة بالنسبة لي. وقد كان ذلك منذ زمن طويل.
أخاف من الموت بكل أشكاله. أخاف أن أموت، لكني ارتعب من فكرة أن يموت الاشخاص الذين أحبّهم. هل تعودت على فكرة الموت؟ لا أدري، قد أكون فعلت، لكني لم استطع ان اتوقف عن التفكير فيه.
أنا، فتاة في العشرين من العمر، قتلت نفسي مئات المرات. في كلّ مرة، أرسم مشاهد الدفن. لا يهمني كيف متّ، المهم انني هناك، ممدة بالفستان الابيض… جميل، فستان عرس حقيقي لا فستان دفن. كثيرون يلتفّون حولي. الكلّ يبكي… هم فعلا أحبوني. المجتمعون حولي على الاقلّ.
هنا أختي لم تتوقف عن مناداتي والبكاء. أنا أسمعها، أمسك بيدها، أريد أن أواسيها… لا أستطيع. هل ما زالت غاضبة لاني لم أرتب خزانتي؟ تبدو ضعيفة هنا، مكسورة الخاطر… مفجوعة حتى. كانت دوما تبدو
صلبة. يبدو انني كنت أكثر صلابة منها، ولو لم يكن ذلك جليّا. ماذا ستفعلين بتختي؟ هل ستنامين فيه لبضعة أيّام؟ ستنامين وحدك من الآن فصاعدا. اعرف انك ستشتاقين إليّ. كثيرا. لا تبدين جميلة في الاسود. لطالما قلت لك أن تلبسي الاحمر يوم مماتي. هل عليك فعلا ان تتقيدي بهذه التقاليد البالية؟
في الجهة المقابلة، يقف والدي، بعينين دامعتين لم أعتدهما، ليتقبل التعازي. هذه طفلتك الصغيرة قد رحلت، هي التي دللتها وقضيت الليالي الطوال بجانبها ترحل دون رجعة. كم تتمنى لو تستطيع أن تجلس قربها الآن، ان تقبلها على جبهتها كما فعلت دوما، ان تقوم بتلك الحركة التي تلمس فيها انفها، حركة طالما أضحكتها. تريد أن تودعها، ان تنفرد بها دقائق قليلة، ان تشرح لها كم تحبها… أشعر بالغصة في قلبك… يداك ترتجفان. لا يا أبي، لا تنهر أمامهم. لا أحبّ أن أراك تضعف أمامهم.
حضر كثير من أصدقائي. بعضهم لم يسمع بالخبر حتى الآن. لا ألومهم، فأنا لن أحضر دفنهم. لا أريدهم ان يبكوا. ما نفع البكاء؟ ولكنهم يبكون فتختلط دموعهم بدموعي. بعضهم لم يكن يحبني. لماذا يتظاهرون بالحزن والاسى؟ أنا اوصيتكم منذ زمن ان تطردوا الكاذبين المنافقين المتباكيين. لماذا لا تحترم ارادة الانسان بعد مماته؟
للمرة الثانية، تبكين حفيدة يا جدتي. أنت قد ظلمت فعلا. لا أدري لماذا النحس يرافقك اينما كنت. صحتك ضعيفة، لا يجب أن تحزني. ماذا أقول لك؟ الذنب ذنبي اليوم، فانا اخترت ان اموت واجعلك شاهدة على مأتمي. لم تزوجيني يا جدتي “على إيّامك” كما كنت تقولين. لقد دفنتيني “على إيّامك”…
هو عرسٌ أكثر مما هو دفن. ابدو جميلة في فستان العرس. حتى أنهم وضعوا بعضا من الحمرة على شفتيّ…
أخاف من اللحظة التي سيقفلون فيها التابوت… سيعلو الصراخ، سينفعلون، سيرونني أغادر على وقع الزغاريد، سيرقصون بالتابوت الابيض… قد يرافقني الطبل أيضا…
لا أدري لماذا اهتمّ لهذه الدرجة بدفني، لمَ أريد أن يكون كل شيء منظما وجميلا… أليس الاهمّ اني سأكون قد متّ؟…


اللوحة للفنانة كلوتيلد أنكاراني - من معرض "réservé aux dames" في غاليري أليس مغبغب - mixed media on canvas

الرسم لأمل كعوش من معرض "ميرون 1948" في مسرح دوار الشمس ضمن فعاليات "مهرجان الربيع 2008) - عنوانه: الموت - http://meiroun.blogspot.com/

ليست هناك تعليقات: